بغداد - واع ـ آمنة السلامي
ملحمة تحرير أرض العراق من دنس أعتى عصابات إجرامية عرفتها البشرية، شكلت مفصلاً مصيرياً في تاريخ بطولات ومواقف هذه الأرض التي شاءت لها الأقدار أن تكون ساتراً أمامياً للدفاع عن العالم بعد أن كانت عصابات الشر السوداء تسعى للزحف الى كل بلد لاغتصاب الأرض وقتل السلام، غير أن أبطال هذا الوطن أبوا أن يغمض لهم جفن إلّا بردِّ تلك العصابات إلى أعقابها مدحورة مهزومة.
فالنصر الذي خطته أنامل عراقية خالصة هو من أفشل هذا المخطط الإرهابي بدماء زكية طاهرة رسمت تلك الملحمة البطولية التي وثقها التاريخ، ومن بينها قصة البطل الشهيد محمد سامي الساعدي أحد أبطال جهاز مكافحة الإرهاب من أبناء محافظة بابل.
وكالة الأنباء العراقية (واع) استذكرت تلك القصص البطولية ،ومنها قصة هذا البطل الذي قدم نفسه قرباناً لشرف الوطن ،والبداية للمتحدث باسم جهاز مكافحة الإرهاب صباح النعمان الذي قال: "في الساعة الواحدة ظهراً في العاشر من كانون الأول العام 2015، وصلت تعليمات من قيادة جهاز مكافحة الإرهاب بالتحرك الى محافظة الأنبار للبدء بعمليات تحرير المحافظة من عصابات داعش الإرهابية، لتباشر قطعات فوج مكافحة الإرهاب بابل بالتحرك مع باقي قطعات الجهاز، واستطاعت تلك القوات في نفس اليوم من الوصول إلى المقر المسيطر في منطقة الطاش الأولى، بعدها تلقت التعليمات بالتحرك مع باقي أفواج الجهاز لبدء عمليات التحرير".
وأضاف: "باشرت القطعات عمليات التحرير فتقدمت لتحرير الملعب الأولمبي ،ومن ثم توجهت إلى منطقة البو كليب ليشن العدو هجوماً على حائط الصد الذي كلف فوج مكافحة الارهاب بابل بتأمينه، بواسطة قنابر الهاون ومفارز القنص والانتحاريين والعجلات الملغمة وتمكنت القوات من صده".
هزيمة العدو
وتابع النعمان: " بعد هذا الهجوم تقدمت قوات جهاز مكافحة الارهاب المتمثلة بفوج مكافحة الارهاب الاول وفوج مكافحة الارهاب الثاني وفوج مكافحة الارهاب بابل على منطقة "البو كليب"، وبعد معارك خاضتها القوات انكسرت الخطوط الدفاعية للعصابات الظلامية ،وبعد السيطرة على المنطقة بدأت القيادة باعداد خطة جديدة لتحرير باقي المناطق المحيطة، فقسمت المحاور حيث كانت هناك ثلاثة محاور للقتال من بينها المحور الخلفي الذي يمنع امداد الارهابيين من جهة الخط السريع الرابط بين محافظة الانبار والمملكة الاردنية".
غيرة عراقية
واستذكر النعمان تلك الايام وقلبه يعتصرالألم: "هنا بقى الشهيد البطل محمد مع القوة الماسكة للأرض التي ستحمي ظهر القوات المتجحفلة وكان الشهيد البطل محمد دائماً ما ينبه اخوته المقاتلين ويشد من عزيمتهم حيث يروي زملاؤه الذين كانوا معه في أرض المعركة انه كان كعين الصقر يراقب كل صغيرة وكبيرة، وفي صبيحة يوم الاثنين بدأ التنظيم المجرم بالهجوم بواسطة العجلات المفخخة وقنابر الهاون والانتحاريين حيث كانت المفخخات تنفجر الواحدة تلو الاخرى. وبسبب شدة المعارك وضراوتها كانت أصوات الانفجارات ورائحة البارود والتراب المتصاعد تغطي اجساد المقاتلين ويصيب أعينهم بالدمع، وبعد معارك استمرت لساعات أصيب الشهيد بجروح طفيفة، وربما أصابته تلك كانت قد أتاحت له الانسحاب من أرض المعركة، لكنه رفض الاخلاء قائلا بابتسامة علت وجه: "إنْ انسحبت فمن سيعالج الجرحى" .
طريق واحد
يمضي المتحدث باسم الجهاز بالقول: " بعد استشهاد شقيق محمد المرحوم انيس سامي جمعة، الذي كان يعمل في وحدة المراقبة والتحري في الجهاز، صدر أمر بانسحابه الى الخلفيات في مقر الفوج لكنه قدم طلباً كي يبقى في المقدمة مع من بقي من أخوته من مقاتلي الجهاز، وبالفعل حصلت الموافقة على أن يكون مع عناصر الطبابة. لكن لما كان الشهيد يحمله من وعي بالمسؤولية وروح الفريق الواحد جعله يكمل الطريق الذي رسمه أخوه الشهيد انيس بدمه ،فأبى إلا أن يخلد اسمه مع من خلدت أسماؤهم في سجل المضحين في سبيل الوطن".
عطر الشهادة
وتابع: " في هذه الاثناء طلب الشهيد من آمر الفوج أن يتقدم للأمام أكثر من زملائه وكان طلبه هذا مليئا بالاصرار كأنه يعرف أنه ذاهب الى ملاقاة ربه، بعدها اشتد القتال مع مجموعة ارهابية تسمي نفسها "كواسر الانبار" وهم من جنسيات غير عراقية، ورغم جراحات الشهيد واصابته ،إلا أنه كان يتقدم ويقاتل بشراسة قل نظيرها وكان يهتف والدماء تقطر منه: "سننتصر" ،وكان صوته مدوياً وهو ينظر الى ذلك الحلم البعيد الذي رسمه بتلك العينين الخضراويين والوجه الشاحب، وفي هذه الأثناء وهو بين ازيز الرصاص وأصوات الانفجارات ،واذا بأحد الانغماسيين يتقدم بعجلته المفخخة، وكلما اقترب هذا الارهابي من الشهيد حاملاً الموت بسيارته الملغمة اقترب الشهيد أكثر غير مبال بالموت، وفي لحظة بطولية قل نظيرها صوب الشهيد بندقيته نحو العجلة فأصاب سائقها الارهابي باطلاقة ليرديه قتيلا، بعدها أخلى أحد زملائه الجرحى وعاد وكأنه النسر الجريح الذي أوجعته سطوة الغربان، واستمر الشهيد بعد ذلك بالقتال ولم يأبه بالرصاص الذي كان يسوره، ثم توارى خلف أحد الجدران للحظات وأخرج صورة ابنته (رتاج) فقبلها وهو يتمتم بالقول: "ابنتي الحبيبة قد لا أعود لأراك ولكن اعلمي انني هنا اليوم من أجلك ومن أجل أطفال العراق، ابنتي عندما تكبرين ارفعي رأسك وتفاخري فإن أباك شهيد"، أغمض عينيه بعدها وهو يقبل الصورة قبلته الأخيرة وعاد للقتال وهو يصول ويجول في أرض المعركة". وأضاف : "وفي لحظة، كأن الزمن توقف فيها، انفجرت مفخخة بالقرب منه ففاضت روحه الطاهرة الى بارئها شهيدا بجوار ربه.. وبعد ساعتين من المعارك أحكمت القوات السيطرة على المنطقة بأكملها وتم قتل جميع الارهابيين الذين هاجموا القوة، لينقل جثمان الشهيد مع عدد من الجرحى الى المستشفى".
الشهيد في سطور
ولد الشهيد البطل ر.ع محمد سامي جمعة عيسى الساعدي في مدينة بغداد في العام 1983 وأتم تعليمه الاولي في منطقة الشعب مسقط رأسه، وبعد سقوط نظام صدام انضم الى قوات جهاز مكافحة الارهاب، وفي العام 2007 اكمل جميع الدورات الخاصة بمنتسبي الجهاز ومنها دورة معاون طبيب ميداني وللشهيد مواقف بطولية وانسانية لا تحصى فقد شارك في كل المعارك التي كلف بها الفوج ضد عصابات داعش الارهابية وما سبقها من معارك ضد التنظيمات الظلامية من القاعدة وماشابهها، ليكون مسك حياته شهيدا سعيدا روى بدمائه الزكية أرض الحضارات لكي يرسم البسمة مرة أخرى على وجوه كانت قد أكفهرت وليكتب حكاية انتصار لن يطويها الزمن.