علي موسى الكناني
الفساد في مزاد بيع العملة حديث متداول طيلة ثمان سنوات، اذ لم تمض بضعة أيام دون ان يثار هذا الموضوع في الفضائيات ومختلف وسائل الاعلام، معزز بوثائق تظهر مدى الاستهانة بالقوانين التي تعنى بمكافحة الفساد، حتى وصل الامر الى تزوير فواتير لاستيرادات وهمية، بعضها يثير السخرية والاستغراب معاً، ومنها –على سبيل المثال- الوثيقة التي عرضتها احدى وسائل الاعلام والتي اظهرت فاتورة لاستيراد (حامض حلو) بقيمة 28 مليون دولار، وفاتورة اخرى لاستيراد 60 مليون مبردة هواء، وغيرها الكثير من طرق الاحتيال للانتفاع من هذه النافذة بأساليب غير مشروعة.
وعلى مر هذه السنين، فشلت الحكومات والاجهزة المعنية المتعاقبة بايقاف هذا النزيف، وفي المقابل حققت البنوك والمصارف التي تتعامل مع المزاد، وكبار التجار المتنفذين، مكاسب كبيرة مستفيدين من فرق سعر صرف العملة، حيث كان السعر الرسمي 1190 دينارا لكل دولار، في حين ان سعر الدولار المتداول في الاسواق تجاوز هذا الرقم بفارق كبير بحيث وصل مؤخرا الى 1250 دينارا مقابل الدولار الواحد.
هذه الظاهرة تعيد الى الاذهان عمليات تهريب النفط ومشتقاته التي كانت تمارسه "جهات متنفذة" في السنوات التي أعقبت سقوط النظام السابق، وما سببه ذلك من أزمة وقود وشابه الفساد، واستمر لسنوات حتى صدور قرار رفع اسعار المحروقات، اذ لم يكن هناك خيار آخر للسيطرة على التهريب.
وبالعودة الى القرار الذي اتخذته الحكومة مؤخرا، ممثلة بوزارة المالية والبنك المركزي، برفع سعر صرف الدولار، ورغم ما أثاره من رفض واعتراض من قبل العديد من الكتل السياسية، الا انه يمثل الحل الوحيد لايقاف هذه السرقة التي اتخذت من مزاد العملة، غطاء قانونياً بعدما اصبح هذا المزاد أشبه بـ"الثقب الأسود"، وتسبب باستنزاف الاموال وسرقة مليارات الدولارات من الشعب، وتهريبها الى الخارج، واندرج عدد غير قليل منها ضمن جرائم غسيل الاموال.
الاعتراضات التي أثيرت حول تضرر الشرائح الفقيرة وذوي الدخول المحدودة، تقسم على نوعين، الاول هو اعتراض مشروع، وينبغي على الحكومة ومصادر القرار، ايجاد بدائل لتعويض هذه الشريحة المتضررة، عبر خطوات فعلية تضمن حق المواطن وتحقق العدالة الاجتماعية، ويمكن تحقيق ذلك بزيادة رواتب الموظفين من أصحاب الدرجات الدنيا، وكذلك المتقاعدين والمستفيدين من برنامج الحماية الاجتماعية بما يقارب نسبة رفع قيمة الدولار، وتعزيز الامن الغذائي للمواطن الفقير الذي لا يمتلك دخلا ثابتا.
اما النوع الاخر من الاعتراض الذي أبدته بعض الجهات السياسية والمتنفذة، ينطبق عليه القول المأثور: كلمة حق يراد بها باطل. والله من وراء القصد