عبدالزهرة محمد الهنداوي
كان العراق، وما زال يلعق جراحاته الغائرة في النفوس والأجساد، من اثر الحرب مع ايران، التي استمر أوارها مشتعلا ثماني سنوات.
وقبل أن تُشفى جراح تلك الحرب، وشهقة النَفَس، الخالي من دُخان المدافع، لم تكتمل، حلّت الكارثة الثانية، التي أجهزت على ماتبقى من الحرب الاولى.
دولة تغزو دولة، وتعلن ضمها اليها، ضاربة بذلك المواثيق والأعراف والمبادئ الدولية، عرض الجدار، فكان ماكان من احداث جسام، شهدتها المنطقة والعالم، التي نتجت عن تلك الحرب..
فقد مثّل غزو الكويت، مفتاحا مهما للولايات المتحدة الاميركية لبسط هيمنتها المطلقة على المنطقة، وأعطاها مبررا كبيرا، لتشكيل تحالف دولي، تحت عنوان «تحرير الكويت»، وإلّا كان بإمكانها، «فرملة» صدام، وإيقافه، قبل أن يعلن انتحاره ذاك، لتنطلق بقوة، في إعادة رسم مسارات المنطقة، في اطار تأطير الشرق الاوسط الجديد.
إن إعادة رسم خريطة الشرق الاوسط الجديد، ترتبط لدينا نحن العراقيين، بذكريات آذارية قاسية، فما زال مشهد هزيمة الجيش العراقي، في معركة الكويت، ومنظر الجنود الحفاة، والآليات، والدبابات المدمرة، على قارعة الطريق، يشكل استفزازا قاسيا للذاكرة العراقية.. أما الذي تلا هزيمة الكويت، فكان أشد قسوة، بدءً من إعلان الهزيمة في خيمة سفوان، ومرورا باندلاع انتفاضة آذار «الانتفاضة الشعبانية» التي كانت قاب قوسين او ادنى من الإطاحة بالنظام، لولا الموقف الاميركي الذي سمح باستخدام الطائرات السمتية، فامتلأت أرض العراق، بالمذابح والمقابر الجماعية، وعاث النظام خرابا ودمارا في البلاد، فجفف الاهوار، وجرّف البساتين، وقصف بالمدفعية والدبابات المراقد المقدسة في كربلاء، وكأنه كان يبحث عن انتصار، يرد به اعتباره ويعوّض هزيمته الشنعاء في الكويت.
انتهت مغامرة احتلال الكويت، وانتفاضة آذار، بقرارات دولية، تسببت برهن مستقبل العراقيين كاملا، بإرادة واشنطن، وتحمل، العراق أعباءً اقتصادية هائلة، تمثلت بفرض حصار اقتصادي، غير مسبوق، فكان عقد التسعينيات، من اكثر العقود وطأة على الشعب العراقي، فيه أكل العراقيون نشارة الخشب، وباعوا كل مالديهم، ليبقوا على قيد الحياة.. إنهار كل شيء في البلاد، وأمست الحياة بلا طعم..
ومازالت ذكرياتنا تنزُّ ألما قاسيا، وإلى اليوم ما زلنا نعاني من آثار تلك الأيام القاسية، فكلما مر آذار، أحالنا إلى ذكريات القسوة تلك..