ا.د.عامر حسن فياض
في الزمن المعيش ما عادت السياسة بوصفها، علما او مهنة، تهتم بمعالجة مشكلات قائمة فحسب، بل اضحت العلم والمهنة المهتمة بمعالجة مشكلات قادمة متوقعة الحدوث ايضا، الامر الذي يضطر فيه المهتم بالشأن السياسي أن يغادر ايجابيا، الاسئلة التقليدية في ادبيات السياسة والاسئلة الوقعية التي لا تتعدى اجاباتها حلولا لترقيع ثقوب الحاضر، التي اتسعت لتغطي كل جغرافية حاضرنا وخلفياته التاريخية. بمعنى أدق أن اسئلة السياسة أضحت اسئلة المستقبل لا اسئلة الماضي ولا الحاضر، وهي اسئلة التنبؤ ( لا قراءة الطالع ) بالحال الآتي، وهي اسئلة الواقعية ( لا الوقعية ) بالحال القائم، وهي أسئلة اخذ العبرة من الماضي لأسكب العبرات عليه. نكتب عن ذلك من دون ان ننسى او نتناسى ان سؤال السياسة الابدي هو سؤال السلطة، والاخير سؤال ثابت الموصوف والمتغير فيه هو فقط وصف الموصوف، اي وصف السلطة التي هي سلطة القوة والمال ماضيا وحاضرا وسلطة المعرفة مستقبلا( كما كتب الاميركي الفين توفلر في كتابه تحول السلطة) واذا كانت السلطة عبر العصور تعبر عن قوة او نفوذ او تأثير او امر وطاعة وخضوع او سلطان، فإن المعرفة، عبر العصور ايضا تعبر عن استخدام وانتاج واحتكار لوسائل وادوات واساليب وبرامج وخطط، وفي عالم ما قبل عالمنا المعاصر كان من ينتج المعرفة يستخدمها في جغرافية مغلقة من الصعوبة نقلها بسهولة، وهنا حتى لو احتكرها فان الاخر غير المستخدم لها لا يعنيه احتكارها.
بيد ان عالمنا المعاصر اخذ ينتج المعرفة ويصدرها معلبة دون مفاتيحها ليحتكر القوة، فأصبحت المعرفة هي الاصل للسلطة والمصدر لشرعيتها بدل الثروة والقوة لانها اصبحت هي الجالبة للثروة والقوة عندما يتم احتكارها من قبل من انتجها لا من قبل من يستخدمها، نعم ان جميع دول العالم اصبحت تستخدم المعرفة ونتاجاتها بيد ان قلة من دول العالم تنتج المعرفة وان لم تنتجها لا تستطيع احتكارها، وعليه فان العبرة ليس باستخدام نتاج المعرفة بل العبرة بمن ينتجها ويحتكرها، والمحتكر على مستوى العالم لا يخشى ممن يستخدم المعرفة بل يخشى ممن ينتج المعرفة لان من ينتجها يتأهل لاحتكارها وينافس. اما نحن شعوب ودول المنطقة العربية ومنها العراق فلسنا اكثر من مستخدمين للمعرفة ومستوردين لنتاجاتها، فعلينا ان نفكر جيدا ونعمل جديا على تخطي مرحلة استخدام المعرفة ونتاجاتها المستوردة وصولا الى مرحلة انتاجها عسى ان نصل الى مرحلة احتكارها ايجابيا لا سلبيا في خدمة شعوبنا وشعوب العالم، بدلا من ان نترك التصرف لمن ينتجها ويحتكرها من قادة الرأسمالية
المتوحشة.