مقالات
السياسة تقف وراء كلِّ الحروب، وفرضية السيطرة على الجغرافيا والثروة والايديولوجيا ليست بعيدة عن حسابات السياسة، وخططها وصفقاتها وجرائم اغتيالاتها، فما يحدث في «منطقة الشرق الأوسط» هو انعكاس للاعطاب السياسية التي تقف وراءها دول وجماعات، ومصالح دولية لها اجنداتها المعروفة. وبقطع النظر عن تداولية مفهوم المنتصر والمهزوم في هذه الحروب العلنية والسرية، فإن لعبة الرهانات السياسية تظل حاضرة، ويفرض «الكبار» خياراتهم- من خلال استعراض القوة- على الآخرين تحت يافطة «الحديث عن مشروعية الأمن الدولي» والضبط الستراتيجي للممرات المائية، وكأن هذا الضبط لا يحدث إلّا عبر قمع الفقراء، وتدمير الدول الضعيفة، وتحويل نظرية الأمن الى بلطجة، والى حصارات وتجويع وعزل جغرافي وسياسي.
ما يحدث في اليمن وفي سوريا ولبنان يبدو صورة مصغرة لمراثي هذا “الخراب الدولي” ولسرديات المجتمع العالمي! فاستمرار الحروب لا يعني سوى استمرار السياسات الغاشمة التي تفرض خطابها بالتهديد والقوة والعقوبات، إذ يتكشف وجهٌ آخر للاستعمارات الصغيرة، بعيدا عن حقوق الدول والشعوب بالاستقلال والسيادة والحرية، وأحسب أن تسويغ وفرض أي خطاب أحادي لا يُبرر أي سبب لإعلان الحرب أو التهديد بها، ولا حتى يعطي ضوءا أخضر لممارسة سياسة السطوة والشيطنة إزاء الدول الأخرى.
لقد بات واضحا ما يجري في الواقع، فلم يعد خافياً على المراقبين أن استمرار الحرب هنا أو هناك هو استمرار في اجراءات السياسة، وفي العمل على تحقيق أهداف لها علاقة بتغيير معادلات تلك السياسة وتوجهاتها على الأرض، وفرض ارادات طاغية تحت مسوغات لا تبرير حقوقيا واخلاقيا وحتى سياسيا لها، ووسط عجز «أممي» و»اقليمي» إذ ما عادت الأمم المتحدة أمينة على الأهداف التي تشكّلت من اجلها بعد الحرب العالمية الثانية، ولا الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الاسلامي قادرتين على الخروج عن ارادة اصحاب الثروة والسياسة، ولا حتى اجراء أية مقاربة واقعية وانسانية للحروب المستمرة في تلك الدول، فالضحايا يزدادون والخراب يتسع و»الكبار» يظلون باقنعة اللصوص والقراصنة والارهابيين، ولا أحد يتحدث عن فرص حقيقية وآمنة للسلام الذي لا يُعطي لأحدٍ فرض أوهام الانتصار أو الهزيمة بوصفهما خضوعاً وخنوعاً أو تطبيعاً ذليلاً..