ثقافة وفن
غير صحيح وغير لائق ان نفرض قديم الاحكام على جديد الايام وان نحمل ناس اليوم ماكان مطلوباً قبل عقود او قبل قرون، وليس صحيحاً فرض احتياجات ومطالب اليوم على التاريخ، فنستنطقه مما ليس فيه، ذلك زمان اخر وتلك ظروف اخرى استوجبت ما استوجبت مما نكرهه أو نرتضيه.
الاحكام والرؤى القديمة جاءت ضمن سياقاتها التاريخية، حتى معانيها، دلالات ومضامين، هي ليست كما نفهمها اليوم ولانتائجها في زمانها مثل نتائج تطبيقها اليوم، لا استنساخ ولا تنفيذ بهذه الدقة ولا ردود الفعل ! ثمة نقاط اعطتها تاريخيتها وما استوجب لان تكون كذلك، لكن للأسف، من هذه ما ظل فعله وما دأب ناسٌ من زماننا يريدونها بل يفيدون من آليات فعلها، وقد اتتنا من زمنٍ صار بعيداً. غير آبهين بأن اختلاط الناس وتقارب الشعوب اوجدا علاقات اجتماعية غير تلك وأدخلا تفاهمات ما كانت من قبل، من هذه التي لا تزال تجد من يؤمن بها ويقيد من فعلها، تلك الحدّية الحاسمة والصلبة بين مالنا وما علينا، من معنا او من اعدائنا. والغريب ان هذه وردت حتى في الكتب المقدسة وقد أوجدتها كما قلنا، ضرورات. في العهد القديم : «من ليس لأجلي يكون ضدي» والعهد الجديد الذي هو اكثر تقدما، اعني اكثر سماحة ولطفا، تضمن ايضا كلاما كذاك الذي ذكرناه! وإذا وجدنا اسباباً واعذاراً لناس الماضي، في أي عهد من مراحلهم، البعيدة جداً والقريبة منا، فأظن اننا لا نجد اسباباً حضرية ولا فلسفية تجعل تلك الحدّيات تليق بعصرنا، صعبة وغير صحيحة ان نردّ كل من يختلف معنا الى مراكز الاعداء.
مع ذلك نلمس واضحاً امتداد هذا « العنف» من الاختلاف في الرأي ليصل الى الاختلاف في المصالح، العرق، الانتماء المناطقي، والى العلاقات الشخصية، لا اظن الزمن يسمح بمثل هكذا تفكير، وهكذا سلوك يمسح كل العلاقات الإنسانية الجديدة ويلغي كل امل بالحرية!
فضلاً عن ذلك هو يجعلنا في منطقة الحرج بانتظار الحكم. وهذه ليست حياة، هذا جحيم ودمار يومي للفرد ومصادرة لفرصته في الاختيار، ومن الاختيار فرصته في التعبير عن ذاته وفكره، ويستهدف ليس ما يضر حسب ولكن ماينفع ايضا. اذاً هو سلوك خطأ للطرفين إذا ما ظلوا طرفين متخالفين. نحن نطمح الى غير ذلك نحن بحاجة الى تصويب فكرة ان ليس كل رأي او سلوك مختلف هو عدوانية أو تخريب أو صنع مكيدة... الحياة وآفاقها أوسع، اكثر رحابة مما كانت، وما عاد في الحديّة كل النفع، صارت فيها خسارات لافكار مساندة وقوى تعاون وضرورات سلامة فردية وأمن عام. صار صنع الحياة الفضلى يتم بعلاقات اجتماعية وفكرية أفضل. نحن نعلم ان ممارسة الحياة غير افتراضها أو تصورها، هذان افتراض وتصور يمكن ان يكونا لفرد أو مجموعة افراد أو حزب او منظومة افراد. ممارسة الحياة غير ذلك، هذه تخلق تفاهمات وتوجد خلافات سواء في العمل او في السياسة، في العلاقات الاجتماعية وفي البحث العلمي المشترك.
وهذه المسألة غير مقتصرة على زمن من الأزمان، هي في كل الازمنة ما دامت ضمن ممارسة الحياة في مكان مشترك والعيش والعمل مع آخرين. الحضارة توجب تفكيراً جديداً لا افتراض أحوال جديدة ولكن ملامسة تفاصيل حياة قائمة وتفهم – احوال استجدت، فهي مرتبطة فكريا واخلاقيا بالظرف الممكن للعيش وبالجدوى العامة، الضامنة لجدوى الفرد جزءاً أو كلان لم يعد الخلاف تعارضا عدوانيا، هو ليس كراهة ولكنه تعارض خصب وفرصة حوار عن الانفع والافضل وفرصة فكرية ونفسية لاستيعاب التعارض لا بوصفه رصاصاً او تهديداً لكن بوصفه فرصة افضل للحياة المشتركة اللا بدَّ منها.
هذا التحول من التنافس والتحارب من اجل الخبز الى التعاون وجمع المؤهلات لإيجاده، تحولٌ صنعه التقدم الحضاري، الفكري والتقني، ثم اتساع الرؤية. ليكن للإنسان الجديد فهم اخر لاستيعاب حياته وحياة غيره في مجتمعه وفي العالم على الكوكب. ولتكن ممارسته للحياة ممارسة نبيلة وعاقلة، خطأٌ التضحية بالعقل لتتولى الانفعالات رسم النتائج!