بغداد- واع- علي جاسم السواد
تصوير صفاء علوان
في اطراف بغداد تتناثر بقايا معامل تصارع من اجل البقاء، يجد أحد العاملين في صناعة الفخار متعته وهو يداعب الطين الحر وكأنه نحات مولع بتشكيل المنحوتات، لكنه يسخر مهنته لكسب رزقه الذي يخشى عليه من الانقطاع بعد ان باتت صناعة الفخاريات مهنة مهددة بالاندثار بسبب عدم وجود دعم لها من الدولة وكذلك اقبال الناس على شراء الفخاريات المستوردة لرخص ثمنها.
وبين التشبث بماض كانت فيه هذه الصناعة تشكل جزءاً من ثقافة وطن امتدت لآلاف السنين منذ حضارات سومر وبابل واشوار، وبين التفكير بترك هذه المهنة التي لم تعد تغطي نفقاتها من جهة واحتياج المعيشية من جهة اخرى، يجد باسم وما تبقى من العاملين في هذه المهنة انفسهم امام تحدٍ يصعب خوضه في ظل تسارع متطلبات الحياة ونسيان هذه المهنة من الجميع.
مهنة متوارثة
ونحن نشق طريقنا بين بقايا معامل متناثرة دونما تخطيط او تنظيم كان ابن صاحب معمل بغداد لصناعة الفخار صفاء حسين ينتظر وصول فريق وكالة الانباء العراقية (واع) وعينه ترنو نحو حلول عسى ان تجد طريقها للمسؤولين عبر عدسة كاميرا تمثل بالنسبة له طوق امل لعله يجد اذناً صاغية من مسؤول او (فزعة) من جهات حكومية لتقديم الدعم لهذه الصناعة وانقاذها من الاندثار.
وبين قطع فخارية متناثرة صنعها العامل في المصنع باسم جمعة جلس صفاء وهو يحكي عن هذه المهنة وقال: إن " هذه المهنة متوارثة اباً عن جدٍ ومنذ ستينيات القرن الماضي، وهذا العمل على الرغم من مشاقه ومصاعبه الا انه يعد مصدر رزق للعديد من العائلات فضلا عن كونه يعد عملا فنيا يحول الطين الى
فخاريات وباشكال وأحجام مختلفة وهو جزء من التراث العراقي الاصيل"، لافتا الى ان "هذه الصناعة او المهنة مهددة بالانقراض والاندثار بسبب غياب الدعم من قبل الدولة".
واضاف ان " هذا المعمل يعود لوالده وانه تعلم هذه المهنة منذ نعومة اضافره، وبدأ عمل عائلته في هذه المهنة منذ اكثر من اربعة عقود بعد ان استقرت العائلة في منطقة النهروان بعد ان تنقلت في اماكن عدة منها (بلدروز والعظيم)"،مبينا ان " صناعة الفخاريات تحتاج الى مهارة وخبرة وممارسة كونها عملاً فنياً وابداعياً اكثر من كونها تحتاج إلى التكنيك او القوة البدنية وان والده توارث هذه المهنة من والده وهو بدوره علمها له"
وأشار الى انهم " يطلقون على الفخاريات مصطلح (الكوازة) والمشتقة من مفردة (الكوز) وتعني القدح المخصص لشرب الماء المصنوع من الفخار"، لافتا الى ان " اجور العمل تصل إلى 25 الف دينار بالنسبة للعمال اما (الاسطة) فتصل أجرته إلى 40 الف دينار يوميا وحسب الانتاج والطلب".
آلية العمل
واوضح صفاء ان " الكثير من من الناس يعتقدون ان هذه المهنة بسيطة ولا تحتاج الى جهد ولكن في الحقيقة انها معقدة، وان آلية العمل تبدأ خطواتها الاولى بعملية تحضير الطين الخاص والذي يؤخذ من ارض المعمل والذي يضم ايضا مقلعا خاصا بتأجير آليات (شفل) لنقل التراب ومن ثم خلطه مع الماء، وبعدها يتم ادخاله الى قاعة المعمل ليبدأ (الاسطة) بالعمل"، مشيرا الى ان " صناعة قطعة الفخار الواحدة يستغرق وقتها ساعة من الزمن فيما تحتاج الى بقائها في الفرن الى 15 ساعة، ويتم انتاج ما يقارب 10 الآف (حِب ماء)في السنة فضلا عن انتاج انواع اخرى من الفخاريات".
مواجهة التحديات
احد العاملين في المعمل واسمه باسم جمعة خلف قال ان " هناك تحديات عديدة تواجه هذه المهنة لكنها تبقى مصدر الرزق الوحيد للكثير من العائلات وهو جعل الجميع هنا يواجه تلك التحديات التي تتعلق باسعار الوقود ومنافسة المستورد وعدم وجود بنى تحتية تتناسب مع التطور الحاصل في العديد من البلدان"، مؤكدا ان " اغلب المواطنين عادوا لشراء الفخاريات خاصة (حب الماء) لكونه صحي وتراثي وسعره مناسب ايضا، وان هناك طلبا على شراء الفخاريات من جميع المحافظات، وان المعمل قادر على تجهيز مؤسسات الدولة والمواطنين بالفخاريات"، داعيا " وزارة الصناعة والمعادن الى دعم هذه المهنة خاصة فيما يتعلق باسعار الوقود وكذلك منع دخول البضائع المستوردة التي تباع باثمان زهيدة".
وبين ان " المعمل الذي يعمل فيه منذ سنوات لم يتوقف وانه يقوم بالإنتاج والتوزيع بين المحافظات خاصة بعد ان انطلقت حملة دعم المنتج الوطني والتي انعكست بشكل ايجابي على زيادة الانتاج، واليوم المعمل قام بانتاج (ترمز ماء) ذي قاعدة فخارية بدلا من الحديد وهو يعطي لمسة جمالية اضافة الى بعده التراثي".