مقالات
كانَ الفنان المصري عادل امام محتارا ومضطربا لانه اكتشف بعد عودته من سفره الطويل ان العمارة التي يسكنها هي ذاتها التي تسكنها السفارة الاسرائيلية في بلاده الامر الذي سبب له قلقا وحرجا كبيرين في الدخول والخروج وزيارة احبابه له،لا سيما انه كان رجلا " صاحب كيف" ومعارفه كثيرة، حتى اشتد الخلاف بينهما واصبحت قضيته، قضية رأي عام خرج على اثرها مئات المتظاهرين.
اليوم وبعد تطبيع عدد من الدول العربية والخليجية مع اسرائيل وترحيب دول عربية اخرى بذلك لم يعد قلق "عادل امام" وامثاله مبررا من جيرانه في نفس العمارة.
تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية واسرائيل لم يكن وليد اللحظة ولا الصدفة بل ستراتيجية طويلة الامد اشتغلت عليها اطراف عدة بقيادة الولايات المتحدة الاميركية وما اعلان بعضها اليوم الا حلقة في هذه الستراتيجية، سبقها تسويق ممنهج من قبل مثقفين ونخبة وصانعي رأي عام في ان استقرار شعوبهم وتطورها ورفاهيتها مرتبط بهذا التطبيع حتى بات لدى بعضهم قضية متواترة لا تقبل الشك وكأن "مصر السادات" عاشت رفاهية لا نظير لها عندما طبّعت علاقاتها مع اسرائيل، لكن المستغرب في هذه القضية ليس اداء الحكومات التي تسعى الى بقائها في السلطة، بل موقف الشعوب العربية ونخبها ومثقفيها الذين لم يحركوا ساكنا او يدلوا بموقف ازاء هذه الخطوة، بل ان بعضهم راح يدافع عنها من دون خجل او وجل.
نعم الظروف تغيرت ونجحت اسرائيل في صناعة اعداء لنا من داخلنا فلا تكاد تجد بلدين عربيين لا خلاف بينهما يصل حد " كسر العظم" فضلا عن صناعة اعداء جدد يمكن ان ننشغل بهم بعيدا عما كان يُتَصَور انها " قضيتنا المصيرية " ونجحوا بذلك ايما نجاح، فلا تظاهرات ولا بيانات تُذكر ازاء هذا التطبيع، لكنهم لم يدركوا ان الرفض ممكن ان يتولد مع اجيال قادمة محافظة، لان الخلاف مع اسرائيل غير متعلق بالارض وشعب فلسطين فقط، بل هو خلاف ايديولوجي ديني فكري معقد بين معتقدات متنافرة وطموح طويل الامد لاسرائيل في المنطقة من النيل الى الفرات الامر الذي نشأت عليه اسرائيل دينيا.
ستبقى موجة الغضب كامنة يمكن ان تحركها اي احداث طارئة تغير من معادلة الرفض والقبول وستعود السفارة في العمارة مصدر قلق وازعاج لعادل امام وامثاله.