علاء هادي الحطاب
يقول الشاعر الكبير محمود درويش "عندما تفرغ أكياس الطحين - يصبح البدر رغيفا في عيوني".
تعد البطالة سببا رئيسا في تفكك المجتمعات وتراجعها وانهيار الدول لأسباب كثيرة منها أمنية وسياسية وثقافية فضلا عن كونها اقتصادية بالدرجة الأولى، وبالمقابل فأن تخفيف مستوى البطالة يستلزم بالنتيجة تخفيف خط الفقر في المجتمع ويؤدي بالنهاية إلى الاستقرار الداخلي للدولة بنسبة كبيرة. وبسبب توقف الصناعة المحلية في العراق فقدت شرائح كبيرة من المجتمع فرص عملها، و بدأت البحث عن العمل في القطاع العام، الأمر الذي أدى إلى حدوث شلل تام في "الإنتاج المحلي"، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل ساهمت أطراف وأسباب وسياسات بالقضاء على فرص العمل غير الثابتة والمتنقلة من خلال استقدام عمالة أجنبية تحل محل العمالة الوطنية، فلا يكاد مكان فيه فرصة عمل، يخلو من عامل أجنبي حتى صار كل فندق أو مطعم أو معمل أو شركة أو مجمع تجاري أو مقهى أو حتى بعض البيوت و الأسواق والمحال الصغيرة تُدار من قبل مجموعة من العمال "البنغال " أو غيرهم مع وجود مئات الآف من الشباب العراقي العاطل عن العمل والذي يبحث عن فرصة مماثلة ربما حتى بأقل من المبلغ الذي يتقاضاه العامل البنغالي، ووصل الأمر إلى عمال البلدية والتنظيف في العديد من شركات التنظيف المتعاقدة مع البلديات الحكومية المختلفة، الأمر الذي ولد بطالة كبيرة جدا دعت وتدعو الشباب إلى التظاهر المستمر لأجل البحث عن فرصة عمل تؤمن لهم حياتهم. في العراق يوجد، بحسب تقديرات رسمية، أكثر من 500 ألف عامل "بنغالي" يعملون في المؤسسات الخاصة وأغلبهم دخل بطريقة غير شرعية أو تم استقدامهم من قبل شركات توظيف بشكل غير رسمي من دون أي ضريبة تجبيها الدولة مقابل ذلك، فضلا عن قرابة 300 ألف عامل بنغالي وغيره يعملون في الشركات النفطية والموانئ والمطارات ولا يقدمون سوى أعمال التنظيف أو نقل البضائع أو غيرها من الأعمال البسيطة التي يدركها العامل المحلي، وهنا لا أتحدث عن الأعمال التخصصية بل الأعمال البسيطة، التي من الممكن أن يتقنها أي عامل محلي. فلو اتخذ صاحب القرار قرارا بترحيل العمالة الأجنبية "بشكل حاسم" دون النظر إلى مصالح الأطراف وشركات التوظيف أو غيرهم لوفرنا بين ليلة وضحاها قرابة 750 ألف فرصة عمل، وإذا علمنا أن متوسط ما يتقاضاه العامل الأجنبي في العراق يبلغ 400 دولار فهذا يعني أننا مكّنا ما يقارب ال 750 ألف شاب من العمل في القطاع الخاص، ما يعني توفيرنا لـ750 ألف شاب عراقي فرصة عمل تساعده في تكوين حياته وربما تعين أهله في تأمين قوت يومهم، ولدينا الآف الأسر التي لا تجد ذلك القوت وأبناؤها يفترشون أرصفة الأزقة والساحات بلا عمل وما يولده ذلك من مشكلات اجتماعية عميقة. ربما يقول قائل أن إنتاجية العامل الأجنبي أفضل من العامل العراقي، وهنا نقول إننا نتحدث عن عمل في القطاع الخاص ورب العمل إذا لم يعجبه عمل أحدهم يستبدله بأخر وهكذا سيتنافس المتنافسون في سبيل الحفاظ على فرص عملهم. مصلحة الدولة في أن يعمل أبناؤها دون غيرهم، ومصلحتها أن يفكر شبابها في غدهم، ومصلحتها أن يكون لهم طموح ومستقبل، وكل ذلك لا يتوفر إلا بوجود عمل ومورد مالي مستقر نسبيا يؤمن لهم حياتهم وطموحهم ومستقبلهم. فلا نحتاج سوى قرار جريء من صاحب القرار لتوفير أكثر من 750 ألف فرصة عمل في القطاع الخاص خلال شهور قليلة .