علاء هادي الحطاب
أطروحات تغيير النظام تنحصر في خيارات محددة ومنها أن يتم تغيير النظام من خلال الانقلاب العسكري، أو من خلال الثورة الجماهيرية، المدعومة بالماكنة العسكرية أو من دونها، أو من خلال التفاوض بين معسكري المولاة "السلطة" وقوى المعارضة، أو يقوم النظام بتغيير نفسه.
ولكل أطروحة أكلافها الباهظة والثمينة والكبيرة، وربما أطروحة أن يغير النظام نفسه أقل هذه الأكلاف، بينما أطروحات الانقلاب أو الثورة أو التفاوض - التي سيأتي الحديث عنها في مقالات لاحقة- تكون أكلافها أكبر من كلفة أن يغير النظام نفسه.
كيف يغير النظام نفسه؟ وهل توجد تجارب دولية لهذا النموذج؟ وماذا يحتاج النظام لإنجاز هذا التغيير؟ ومن يقوم به؟ وكيف أن كلفة التغيير هنا أقل من سواها؟
يحتاج النظام السياسي لتغيير نفسه أول ما يحتاجه إلى إرادة سياسية صادقة مقتنعة أن نظامها السياسي لا يمكن الاستمرار به منطلقاً ولابد من تغييره في سبيل عدم الوصول إلى أطروحات الانقلاب أو الثورة أو التفاوض.
وفي معرض الإجابة عن كيفية تغيير النظام لنفسه فإنه أول ما يحتاجه أن يدرك جيداً متطلبات « الرضا والقبول» في من هم مستهدفون بسلطة هذا النظام وماهي أركان هذا الرضا والقبول أي دراسة ما يريده الشارع والمواطن والمؤسسات التي تخدم هذا المواطن ويشرع وينفذ سياسات عامة صحيحة بعملية جراحية فوق الكبرى مع ضمان نجاحها بدرجة كبيرة وأن كانت أثمان هذه السياسات مصالح الأحزاب الخاصة - جميع الأحزاب- المساهمة في تشكيل سلطة هذا النظام، أي تتنازل الأحزاب عما لديها في سبيل المواطن بشكل خاص والدولة بشكل عام وتوقن جيداً أن بقاءها متعلق بهذا التنازل وتجديد نفسها مرة أخرى وتغيير سياستها في سبيل الحصول على مؤيدين جدد لها.
وتوجد تجارب قريبة في هذا الصدد ففي عام 2004 قامت المغرب بعد انتهاء حكم الملك الحسن الثاني الذي حكم المغرب من 1961 إلى 1999، واتسمت فترة حمكه بالعديد من انتهاكات حقوق الإنسان، بعدها صعد الملك محمد السادس، نجل الحسن الثاني، إلى العرش في عام 1999، معتزماً القطيعة مع الإرث الثقيل لسنوات والده التي عرفت بسنوات الرصاص. بعد مناقشات بين المجتمع المدني والقصر، أنشأ الملك محمد السادس هيأة الإنصاف والمصالحة عام 2003. وبَدأت الهيأة عملها رسمياً عام 2004 واستطاعت معالجة مسببات رفض النظام ومعارضته.
أما لماذا أن كلفة أن يغير النظام نفسه أقل من سواها؟ فهو أن كلف تغيير النظام من خلال الانقلاب أو الثورة ستكون حتما أثمانها الدم، ودم كثير يُراق من الشعب وعامة الناس وسيكون "الثأر والعقاب" المجاني هو المتحكم في بوصلة الأحداث، أما التغيير من خلال التفاوض، فهذا يمكن أن يكون حلاً سهلاً إذا توفرت معارضة سياسية حقة ولديها برنامج مدروس ومعد بشكل جيد، بل إذا امتلكت الأحزاب السياسية رؤية واقعية وحقيقية لمفهوم المعارضة، وفي خضم ذلك لابد من أن تتوفر الإرادة السياسية لإنجاز مهمة تغيير النظام لنفسه.
وسنبحث في مقالات لاحقة أطروحات تغيير النظام الأخرى وإمكانية وجودها على أرض الواقع.