كيف نحول المحنة الى مُنحة ؟

مقالات
  • 18-04-2020, 08:34
+A -A

التفكير بالحلول والمعالجات ، ليس حكرا على احد ..
الجميع يفكر .. والجميع يريد الحل ..
الحل الذي يخرج البلاد والعباد من المحنة ..
نعم ، لايختلف اثنان على ان العراق يواجه  اليوم  تحديا ليس سهلا ، او لنقل ، محنة او أزمة متعددة الرؤوس : (صحية متمثلة بانتشار فيروس  كورونا ، وما رافقه من تداعيات قد تبقى اثارها حتى حين من الزمان ات) ، و(اقتصادية ، يمثلها تراجع اسعار النفط بنحو مخيف ، في ظل اعتماد الاقتصاد. العراقي على الايرادات النفطية بنسبة ٩٠٪؜ ، وكأننا نعمل بمبدأ "نبيع نفطاً لنأكل خبزا") وهذا الرأس الثاني لايقل اثرا وخطرا عن الرأس الاول ، بل ربما يفوقه ، اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ، اننا بحاحة الى الأموال اللازمة   لتأمين متطلبات عمليات مواجهة الوباء .. فيما يتمثل الرأس الثالث من رؤوس الازمة ، بـ(تداعيات المشهد السياسي والخلل البنيوي الذي رافق ولادة العملية السياسية) ، وهذا الرأس دائم النمو حتى اصبح اشبه بورم غير حميد ومتضخم ، وباتت افرازاته السامة تسري في جميع مفاصل  الجسد العراقي .. 
وازاء محنتنا هذه ذات الرؤوس الثلاثة  ،، كيف لنا ان نتصرف ؟ ، هل نتركها تستفحل وتتفاقم ، حتى تقضي علينا قضاء مبرماً ؟ ، ام اننا نذهب للبحث عن  جرّاح حاذق ، لديه القدرة والخبرة والشجاعة ، لان يقطّع بمبضعه تلك الرؤوس من دون ان يسمح بحدوث مضاعفات حادة ، قد تتسبب بنتائج كارثية غير متوقعة ؟!!
ابتداءً ، علينا  ان تثق بقدراتنا وبانفسنا ، لان الثقة بالنفس تخلق حالة من الطمأنينة ، تجعل الانسان قادرا على تحمل الالم ، بأمل الشفاء من الداء ، والقدرات التي نشير اليها هنا ، هي قدراتنا كأفراد ، بوصفنا موارد بشرية يمكن اعتبارها متكاملة ، آخذين بنظر الاعتبار الامكانات العلمية والعقلية والمهنية والحرفية والجسدية ، لمكونات المجتمع العراقي ، وهذه القدرات البشرية ، بطبيعة الحال ، تعد مُدخلا مهما ، ومسارا أسياسيا من مسارات تحقيق التنمية ، ببعديها  ، الاقتصادي والاجتماعي  ، ثم نتحول إلى القدرات والإمكانات التي يزخر بها  العراق ، وهي قدرات هائلة ، لو تم استغلالها بنحو سليم ، لاصبحنا ننظر إلى النفط ، نظرة شزر  واحتقار ، بل ونحاسبه  على جميع المشاكل والعاهات  والأمراض التي سببها لنا طيلة عقود من الزمن ، ومنها مرض الاسترخاء المميت !!  .
ومما لاشك فيه ، ان نظرة إيجابية ، من هذا النوع ، مشفوعة ، بارتفاع وتيرة الثقة بالنفس والقدرات الذاتية والعامة ، ستهدينا بالتأكيد إلى ايجاد الحلول والمعالجات الناجعة ، التي تستبطنها الأزمة ، فما من أزمة يمر بها فرد او مجتمع او دولة ، الا وأسهمت في هداية تلك الشعوب إلى اكتشاف حلول مستدامة ..ومثل هذه النظرة تدعونا إلى الابتعاد عن التطيّر واثارة الرعب ، فمثل هذا الحال لن يعالج المشكلة  بل سيفاقمها ، كما لاينبغي ان نتفاءل بإفراط ، لان الحلول التي نتحدث عنها ، ستحتاج إلى مساحات زمنية ، لكي نتلمس نتائجها في ارض الواقع  ..
ومن رأس الأزمة الأول (كورونا)  ، تنطلق الحلول .. بعد ان وضع العراقيون ، اساسات الحل، وان كانت بسيطة ، ولكن يمكن البناء عليها ، ومن ذلك  ، النهوض بصناعة الأجهزة والمستلزمات الطبية والأدوية ، وقد واجه العالم بأسره مشكلة في هذا الجانب ، لاسيما فيما يتعلق بتوفير اجهزة التنفس ، والكمامات ، وباقي المستلزمات ، وتتمثل تلك الأساسات ، بقيام عدد من الجامعات والمؤسسات  والنقابات والمراكز والأشخاص في عموم العراق ، بصناعة اجهزة تنفس ، وروبورتات آلية ، واسرّة كهربائية ، وبدلات واقية ، وادوية ومستحضرات ، بالإمكان تبنيها من قبل الحكومة او القطاع الخاص ، لكي يتم تحويلها إلى انتاج نمطي لتعزيز وتطوير الواقع الطبي والصحي والتمريضي في العراق .. 
وفي الرأس الثاني (الاقتصادي) ، فإن لدينا اليوم فرصة ذهبية ، لتوجيه المسار نحو قطاع الزراعة والصناعات التحويلية الزراعية ، وكما هو معروف ، ان الميزة المكانية والهوية الأصلية للعراق هي الزراعة ، من اقصاه إلى اقصاه ، ولاتوجد بقعة في هذا البلد غير صالحة للزراعة ، فضلا عن توافر الاركان الأساسية  لذلك وهي الماء والقدرات البشرية  والبيئة والمناخ ، كما ان الزراعة لاتتطلب أموالا طائلة لتحسين واقعها ، وقد أظهرت ظروف حظر التجول وإغلاق الحدود ، وتراجع مستويات الاستيراد ، اهمية توفير السلة الغذائية ، محليا ، وبدا  ذلك واضحا من خلال وفرة المحاصيل واستقرار اسعارها بنحو يبعث الاطمئنان ، ولكننا ونحن نتحدث عن محاصيل زراعية ، من الوارد ان نواجه شحة في هذا المحصول او ذاك ، بحسب مواسم الوفرة لتلك المحاصيل ، ولذلك ، ينبغي التوسع  في الزراعة بنحو يضمن لنا تحقيق الامن الغذائي الشامل والاكتفاء الذاتي ، من المحاصيل الزراعية والحبوب الاستراتيجية والفواكه والخضر ، فضلا عن توسيع وتحسين الصناعات التحويلية الزراعية ، وتطوير انتاج البيض واللحوم البيضاء والحمراء .
ان تحقيق الاكتفاء الذاتي سينقلنا بعد ذلك إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة التصدير إلى البلدان الأخرى ، خصوصا ، ان المنتج العراقي معروف بجودته ولذة طعمه ، فهو مرغوب ومفضل لدى الكثير من البلدان وفي مقدمتها دول الخليج العربي ،  وكما هو معلوم،  فان نهوض قطاع الزراعة ، سيسهم في تحريك قطاعات أخرى مثل النقل والتخزين والمطاعم ، ومعنى هذا ، توفير ملايين فرص العمل ، مباشرة وغير مباشرة ، ناهيكم عن تحقيق التكامل الاقتصادي بين المحافظات ، وتعزيز الأواصر الاجتماعية ، او ما يعرف ، بالاقتصاد الاجتماعي ، وكل ذلك ربما لايحتاج الا إلى ثلاث او اربع سنوات لتحقيقه ، شريطة السير بهدي خطة واضحة المعالم والأهداف ، وقطعا ان مثل هذه الخطة موجودة ، وحان الوقت المناسب للمضي في تنفيذها ، ولكن ذلك يتطلب ، استقرارا سياسيا ، يوفر إرادة سياسية داعمة لمثل هذه التوجهات ، وهذا الكلام يوصلنا إلى الرأس الثالث من رؤوس الازمة  (الخلل في العملية السياسية) ، واعتقد ان الفرصة الان هي الأخرى باتت مؤاتية ، لان تعيد العملية السياسية النظر في مساراتها ، وتصحيح الخاطىء منها ، لكي نمضي، باتجاه البر الامن .. وهذه العملية تشبه إلى حد ما استحصال  الأمصال المضادة للفيروسات من أولئك الذين اصيبوا بها ، ونحن نسميها هنا ، تحويل المحنة إلى منحة