سياسية
وجه رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي ، اليوم الاربعاء، كلمة بمناسبة الذكرى الاربعين لاستشهاد الامام محمد باقر الصدر.
وفيما يلي نص الكلمة التي تلقت وكالة الانباء العراقية (واع) نسخة منها :
بسم الله الرحمن الرحيم
((وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)).
السلام عليكم يا أبناء شعبنا العراقي الكريم.. ويا أبناء أمتنا الإسلامية العزيزة.. ورحمة الله وبركاته
نحيي اليوم الذكرى الأربعين لاستشهاد القائد المؤسس الإمام السيد محمد باقر الصدر؛ لنجدد له عهد الولاء، والسير على خطاه، واستلهام الدروس من فكره وسلوكه..
نحيي ذكراه العطرة وعراقنا الحبيب وأمة الإسلام الصابرة؛ تعيش مجموعة مركبة من المخاطر؛ بدءاً بمخاطر التهديدات العدوانية لقوى الاستكبار، والحصار الظالم المفروض على أجزاء من أمتنا، وانخفاض أسعار النفط، وتفشي وباء الكرونا، وليس انتهاءً بالانسداد السياسي في بلدنا، والذي تسببت فيه بعض الإجراءات المتعارضة مع الدستور ومع السياقات القانونية البديهية.
ولكن؛ مهما بلغ حجم هذه التحديات؛ فإن أبناء شعبنا وأمتنا قادرون بوحدتهم وتعاونهم وحسن تخطيطهم وإنجازهم، وبالتوكل على الله (تعالى)؛ على تفكيك كل أنواع التحديات والأزمات، والعبور الى بر الأمان؛ كما كانوا دائماً (( وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا)).
وما النهضة التي بدأها الإمام الشهيد الصدر منذ خمسينات القرن الماضي؛ إلّا استجابة لتلك التحديات الدائمة، وخارطةَ طريقٍ لحركة الأمة باتجاه تفكيك التحديات والقضاء عليها، والتمهيد لتأسيس البديل الفكري والقانوني والسياسي والنُظُمي الذي يحقق للأمة الانعتاق من كل أنواع التبعية للأجنبي، والأمان والرفاه والحرية، والنظام الاجتماعي السياسي العادل؛ وصولاً الى سعادة الدنيا والآخرة.
يا أبناء الشهيد الصدر..
لقد كان المفكر المتفرد السيد محمد باقر الصدر أمةً قانتاً لله، عالِما عاملاً مضحياً في سبيله، أوقف حياته لإحياء شريعته، و رعاية حزبه المجاهد الذي أسسه وكتب نظريته ومبادئه، و قيادة مشروع التغيير الاجتماعي والثقافي والسياسي في العراق خصوصاً وواقع المسلمين عموماً، ومأسسة المنظومة الاجتماعية الدينية لمدرسة آل البيت.
و كانت حياة الشهيد الصدر منذ أن تشكّل وعيه، عبارة عن تنظير و تخطيط وتنفيذ لمشروعٍ متكامل واحد، هو مشروعه الحضاري الإسلامي التغييري الشامل. وقد أشاد مقومات هذا المشروع على جوانب متعددة تكمّل بعضها، بدءاً بالجانب العلمي والفقهي والفكري، والجانب الحوزوي والمرجعي، والجانب التوعوي العام، والجانب التنظيمي والسياسي والميداني، وانتهاءً بالجانب السلوكي والأخلاقي. وكان (رضوان الله عليه) متوازناً في حجم الاهتمام والإنتاج لكل واحد من هذه الجوانب؛ فجاء مشروعه التغييري متوازناً في مقوماته، ومتكافئاً في عناصره.
و كان حزب الدعوة الإسلامية هو الوسيلة المنظمة العقدية الميدانية الأهم في مشروع الصدر الإسلامي الحضاري التغييري، وكانت علاقة الشهيد الصدر بالحزب علاقة متداخلة متكاملة متراصة، منذ تأسيس الحزب وحتى استشهاده (رضوان الله عليه). وستظل "الدعوة" منسجمة مع مشروع الصدر؛ بوعي دعاتها وعملهم؛ لأن ما يمثله الصدر لنا وللعراق والتشيع والإسلام من قيمة عليا ورمزية ثابتة؛ تجعلنا نستشعر باستمرار حتمية استحضار فكره وسلوكه فينا.
إنّ المشروع الحضاري الإسلامي الذي نظّر له الشهيد الصدر وأسسه وقاده، ظلّ يشكّل الخطر الأكبر على العقيدة الطائفية العنصرية الإقصائية للنظام السياسي العراقي الموروث، وعلى النفوذ الاستعماري في المنطقة، وعلى التخلف والانحراف في المجتمعات المسلمة. ولذلك لم يكن قرار إعدام الإمام الصدر وتغييب مشروعه مجرد قرارٍ محلي.
وقد جاءت تداعيات استشهاد السيد الصدر كبيرة جداً على الأمة التواقة للحرية والاستقلال والانطلاقة الحضارية، وعلى العراق المتعطش للنظام العادل السائر على هدي الإسلام، و على الحركة الإسلامية المنظمة التي تعمل على تغيير الواقع ثقافياً واجتماعياً وسياسياً؛ لأن الصدر كان بالنسبة لكل هذه المحاور,, المنظر والمفكر والقائد والمرشد.
ولكن؛ لم يفشل نظام البعث ومن ورائه القوى الاستكبارية الداعمة له في تحقيق أهدافهم في تدمير مشروع الصدر وحسب؛ بل شاء الله (تعالى) أن يسقط هذا النظام الطاغوتي المجرم في التاريخ نفسه الذي نفذ فيه قرار تغييب جسد الصدر، وأن يشارك أبناء مشروع الصدر في قيادة العراق بعد العام 2003.
أيها العراقيون الشرفاء..
إن الصراع اليوم في عراقنا الحبيب على أشده بين مشروعين؛ الأول يعمل على إسقاط القيم الإسلامية والعرفية الأصيلة للمجتمع العراقي، والثاني يعمل على تأصيل هذه القيم وتعزيزها وتحكيمها. وقد علّمنا الصدر العظيم، ونحن نكدح من أجل تأصيل قيم الإسلام والوطن وتحكيمها؛ أن نتمسك بهذه القيم، ونحيا بها، ونموت من أجلها، ونعمل على حماية الشعب من الاستهداف القيمي والعقدي والأخلاقي، وحماية وعي الأمة وسلامة عقيدتها. و في المقابل يعمل الاستكبار وامتداداته الداخلية على إشاعة اليأس في صفوف المجتمع من قيمه الأصيلة. والترويج للانحراف القيمي والعقدي والأخلاقي بكل أشكاله.
ونؤكد بأن مواجهة المشاريع الانحرافية: الفكرية والثقافية والسياسية والسلوكية الوافدة، ليست مهمة الدولة والحكومة وحسب؛ بل هي مهمة كل المؤسسات الثقافية والمجتمعية والدينية والتعليمية في البلاد، و وظيفة كل فرد عراقي.
وكما كان فكر حزب البعث وسلوكه تعبيراً عن المشروع الإنحرافي الاستكباري الوافد؛ فإن البعثيين لا يزالون يتمثلون هذه المعاني بكل قوة، ويتواطؤون مع باقي عناوين الاٍرهاب المسلح والفكري والثقافي؛ لتدمير قيم الشعب العراقي، وإسقاط العملية السياسية.
ولذلك؛ ونحن نعيش ذكرى القائد الصدر الذي ذبحه نظام البعث، وذكرى قرار إعدام كل من ينتمي الى حزب الدعوة الإسلامية الذي وقّعه الأمين العام لحزب البعث بنفسه؛ نؤكد مرة أخرى على وجوب التصدي لبقاياهم ولحلفائهم ولمن يقف خلفهم، وتفعيل الإجراءات القانونية والقضائية بحق كل من يروج للبعث وفكره وثقافته وسلوكه ورموزه.
يا أبناء شعبنا الصامد..
نستثمر هذه المناسبة؛ لنشدد مرة أخرى على تمسكنا بمصالحنا الوطنية وحقوقنا في السيادة الكاملة والقرار المستقل.. سياسياً واقتصادياً وثقافياً، و على أن انفتاحنا الإيجابي على مختلف دول الإقليم والعالم؛ مقرونٌ بتعامل هذه الدول مع العراق على أساس الاحترام المتبادل للسيادة وللقرار الوطني، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. و كل ما نطمح إليه هو علاقات متكافئة متكاملة.. دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً وعلمياً.
كما نشدد على ضرورة الإسراع في حلحلة الانسداد السياسي والقانوني في البلد، ولا سيما المتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة، و عدم الخروج على السياقات الدستورية والقانونية في تكليف المرشح لرئاستها.
ختاماً.. أيها الصدر العظيم..
نجددُ معك العهد.. على أن نمضيِّ في نهجكِ الفكريِّ والعملي.. وأن نحافظَ على أصالة حزبك المجاهد حزب الدعوة الإسلامية، و قوة حضوره وتنظيمه و وحدة صفوفه، وأن نضحي بكل غالٍ ونفيس من أجل بناء عراقك الحبيب، وتحقيق الحكم العادل فيه، وتطهيره من دنس الإرهاب والتكفير، ومن نهج الطائفية والعنصرية، وخدمة شعبه الكريم، ورفاهه واستقراره وأمانه.
وسلام عليك سلام الموالين.. يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته