مقالات
صُنْعُ القرارِ السياسي واتخاذهِ يمران بمراحل متعددة وفق آليات تحكمها طبيعة النظام السياسي وفلسفته والموارد المتاحة وطبيعة المشكلة والأبعاد الاجتماعية والثقافية وغيرها، لذا نجد أن السياسات العامة في الدول ،التي تسعى الى التطور والتقدم ومن ثم دولة الرفاهية يتم فيها رسم السياسات وصناعتها وفق منهجية مخطط لها بشكل جيد من خلال " صنّاع "رسميين وغير رسميين ، مباشرين وغير مباشرين، وتسهم كل مؤسسات وأطراف النظام السياسي ،بما في ذلك الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية والنقابات والاتحادات، بوضع آليّة لمعرفة نجاعة هذه السياسات المتخذة من خلال التغذية الاسترجاعية لها، ومدى الرضا والقبول المتحقق للمستهدفين بهذه السياسات.
إن الدول المتقدمة لا تنكسر ولا تنهار بمجرد بروز مشكلة أو أزمة داخلية أو خارجية تطالها، بل تعمل جميع مؤسساتها بأداء دورها وكأنها قد خططت مسبقاً لتلافي ومعالجة هذه المشكلة أو تلك، ونجد أن تلك الدول دائماً تؤسس وتشكل مراكز دراسات بحثية تخصصية في مختلف الجوانب ،تتم الاستعانة بها بشكل مستمر في معالجة مشكلاتها ورسم طريق نجاح سياساتها بخطوات واثقة مهما كانت الصعوبات، لذا فإن مسار تقدمها مستمر وأن واجهته عقبات كبيرة.
في العراق اعتدنا أن نشكل"خلية – لجنة"أزمة لمعالجة ما يطرأ على حياتنا من مشكلات وأزمات حتى باتت"اللجنة – الخلية"هي الأساس والقاعدة وبقية المؤسسات الرسمية المشرعة بقوانين هي الاستثناء،وأننا إذا أردنا أن نعجّل في إنجاز مشروع أو معالجة مشكلة أو تجاوز أزمة تركنا المؤسسات المعنية وذهبنا لتشكيل"لجنة – خلية "أزمة.
نعم ربما تشكيل اللجان والخلايا مهمة لسرعة التنسيق والتعاون وتجاوز البيروقراطية بين مختلف المؤسسات ،التي تشتغل على موضوع محدد، لكن من حيث الأساس أن مجرد التفكير بغياب التنسيق أو عدم وجوده أو توقع عدم حصوله ،هو بحد ذاته خلل في الجهاز البيروقراطي للدولة.
إن القاعدة"عقلا"هي وجود آليات تنسيق وتعاون وتواصل ممنهج بين مؤسسات الدولة وأن اختلفت مهامها واشتغالاتها، أي وجود نظام يحكم آليّة العلاقة والتواصل، وتشكيل اللجان والخلايا وأن كان ينجز مهام طارئة ومستعجلة، لكنه على المستوى الستراتيجي يضعف كيان المؤسسات ويضعف نظاما يُمأسس التواصل بين مختلف القطاعات، بل تطور الأمر لدينا لمرحلة أن اللجان والخلايا تتخذ قرارات وترسم سياسات طويلة الأمد بمعزل عن الجهات المستفيدة والمستهدفة بهذه السياسات مع أن هذه اللجان والخلايا سيكون مصيرها الذوبان عاجلاً أم آجلا مهما كان عملها بعد انتهاء الأزمة والأمثلة كثيرة في قرارات وسياسات عامة ،تم اتخاذها أدت الى تقاطع كبير مع مؤسسات أخرى أو ثبت عدم نجاحها في المستقبل.
إذا أردنا أن نعمل بشكل مؤسساتي يمهد لدولة تسعى الى التقدم والتطور علينا أن نبدأ بخطوات إنشاء مراكز الدراسات البحثية وإيجاد نظام يتم من خلاله صنع السياسات العامة وتنفيذها بطريقة منهجية مؤسساتية من خلال المؤسسات المعنية تعمل بشكل ستراتيجي طويل الأمد قادر على معالجة ما يطرأ من مشكلات ويعمل للمستقبل برؤية واضحة ومرسومة بشكل أكاديمي صحيح .