التعداد السكاني، والانتخابات المبكرة.. لمَن الأسبقية؟

مقالات
  • 17-02-2020, 05:40
+A -A
منذ عام ١٩٩٧ ، لم يشهد العراق تعدادا سكانيًا شاملًا ، وهذا التعداد الذي نشير اليه لم يكن تعدادا ناجحًا ، وفقًا للمعايير الدولية ، ذلك لانه لم يشمل محافظات اقليم كردستان ، كما ان البيانات التي توصل اليها ، لم تكتمل ، الا بعد اكثر من سنتين ، ما جعلها تفقد قيمتها التنموية ، وبالتالي فإننا نتحدث عن تعداد ١٩٨٧ ، بوصفه اخر تعداد شامل شهده العراق ، وبحساب الزمن ، فان ٣٣ عامًا مرت ، لم يشهد البلد خلالها تعدادا سكانيا ، يطابق المعايير العالمية ، أما فيما يتعلق بالانتخابات ، فان تجربتنا باتت غنية ، بعد الجولات الانتخابية التي مارسها العراقيون ، وكانت اخرها انتخابات  عام ٢٠١٨ ، وهي الانتخابات التي توقف احد اهم مخارجها (الحكومة) قبل بلوغ النصف الاول من عمرها ، فضلا عن الإرباكات والمشكلات الأخرى التي واجهت العملية السياسية برمتها خلال عام واحد مَن اجرائها ، على العكس من الدورات السابقة ، التي اكتملت جميعها ، وبعضها تجاوز العمر المقرر له ، على الرغم من كل ما شابها من مشاكل ، لم تكن ابسط من مشاكل الدورة الحالية ، التي  ربما تختلف عن سابقاتها ، ان الشارع العراقي ، دخل محركا فاعلا ومؤثرا في تغيير مسارات الأحداث ، إلى الدرجة التي تمكن من اجبار الحكومة على الإقالة ، وإجبار مجلس النواب على القبول بإجراء انتخابات مبكرة ، إلى الان مازال موعدها غير محدد ، بانتظار مباشرة  الحكومة الانتقالية مهامها ،لتبدأ عملها باتجاه توفير الظروف المناسبة لتحديد الموعد ، الذي يبقى مرتبطا بوضع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ، التي  اصبح وضعها غير مستقر بعد التغيرات الجذرية التي طالتها ، وشملت جميع مفاصلها .
وأحاول من خلال هذه المقاربة ، بين التعداد العام للسكان ، وبين اجراء الانتخابات المبكرة ، ان أشير إلى احتمالية حدوث حالة من التزاحم ، بين الحدثين الكبيرين ، اللذين ينتظرهما العراقيون بصبر ولهفة ، وقد تكون لهفتهم ، للتعداد اكثر ، بحكم مرور اكثر من ثلاثة عقود على اخر تعداد ، ومعنى هذا ، ان (٢٢) مليون عراقي لم يدخلوا سجلات التعداد العام للسكان ، وفقا لتعداد ١٩٨٧ ، وهناك (١٦) مليون عراقي وعراقية ، لم يدخلوا هذه السجلات ، وفقا لتعداد ١٩٩٧ ، بالمقارنة مع عدد السكان الحالي البالغ (٣٨) مليون نسمة ، ومَن يستنطق هذه الارقام المليونية الكبيرة ، فانه سيدرك بوضوح ، واقع الحال ، ومساسة الحاجة إلى وجود بيانات دقيقة وحقيقية عن الواقع الديموغرافي ،لجعلها مدخلات سليمة ، لإعداد الخطط التنموية والسياسات الاقتصادية ، فضلا عن أهمية تلك المؤشرات السكانية على مستوى المحافظة والقضاء والناحية والقرية ، في الاستفادة منها بإجراء الانتخابات ، لاسيما بعد المتغيرات الهائلة والتوسع الكبير الذي شهده الواقع الإداري والاجتماعي في العراق ، اذ نتحدث اليوم عن (١٦٨) قضاء في عموم العراق ، الكثير منها تم استحداثه بعد عام ٢٠٠٣ ، فضلا عن أعداد النواحي والقرى التي هي الأخرى تضاعفت اعدادها بنحو لافت خلال السنوات الأخيرة ، وهذه ليست مثلبة ، إنما هي مسألة طبيعية في ظل التزايد السكاني ، اذ يعد العراق من البلدان الأعلى نموًا سكانيًا في العالم ، بنسبة زيادة سنوية ، تقترب من (٣%) ، ووفقًا لهذه النسبة العالية فان السكان يتضاعفون مرة واحدة كل ربع قرن من الزمان ، وهذه الزيادة المضطردة ، تزيد من أهمية اجراء التعداد العام للسكان ، الذي ينبغي ان يجري مرة واحدة كل عشرة سنوات ، فما بالنا ونحن نتحدث عن ٣٣ عامًا ؟.. ومن هنا اعود إلى احتمالية حدوث التزاحم بين الحدثين خلال العام الحالي ، إذا ماقررت الحكومة اجراء الانتخابات قبل نهاية ٢٠٢٠ ، ، ذلك لان الحكومة المستقيلة ، كانت قد قررت في النصف الأول من العام الماضي ان تجري التعداد العام للسكان قبل نهاية ٢٠٢٠ ، وقرارها هذا جاء استمرارا  لقرار الحكومة التي سبقتها ، عندما قرر  المجلس الأعلى للسكان برئاسة الدكتور حيدر العبادي، عام ٢٠١٧ اجراء التعداد في ٢٠٢٠ ، ومنذ ذلك التاريخ والجهات المعنية  المتمثلة بوزارة التخطيط والوزارات ذات الصلة والحكومات المحلية ،تواصل استعداداتها العملية ، وقد قطعوا شوطا جيدا ، باستكمال الكثير من الاستحكامات والإجراءات المهمة ، اذ من المقرر ان يتم اجراء التعداد بصيغة إلكترونية في الشهر العاشر او الحادي عشر من السنة الحالية ، بمعنى ان الموعد محدد قبل اكثر من سنتين ، في المقابل ، ان موعدا لإجراء الانتخابات المبكرة لم يحدد بعد ، ولان كلا الحدثين ، يحتاج الى حشد كل الجهود والإمكانات الوطنية لتنفيذه ، فإن إجراءهما ، في ذات الفترة ، سيؤدي إلى تشتيت تلك  الجهود  ، ما قد ينعكس سلبا على المشروعين ، وربما يؤدي الى فشلهما كليهما ، وهذه اخطر نتيجة قد نواجهها في تاريخ العراق الراهن ، فلا يمكننا ان نفرط بالانتخابات المبكرة ، التي تعد الأولوية الاولى ضمن مطالب التظاهرات الاحتجاجية ، كما ان الوضع السياسي في البلد يعاني الكثير من الاحتقان ، وهو بحاجة إلى تنفيس حقيقي ، لايتحقق الا من خلال اجراء انتخابات حقيقية ، يشارك فيها العراقيون ، وفق فهم حقيقي لممارسة هذا الحق الدستوري ، وفي ذات الوقت ، فان التعداد العام للسكان  لايمكن  التفريط به أيضا ، في ظل وضع تنموي متهالك ، يحتاج إلى بيانات حقيقية ، يضاف إلى ذلك حجم الاستعدادات التي بُذلت لحد الان ، مع وجود توافق بشأن المشروع ، يعززه الدعم الجيد من قبل منظمات الامم المتحدة المعنية ..
لذلك فان فك الاشتباك الزماني المحتمل بين هذين المرتكزين ، هو ان يصار إلى اجراء الانتخابات المبكرة في منتصف العام المقبل ٢٠٢١ ، والإبقاء على التعداد العام للسكان على العام الحالي ، لضمان نجاح الاثنين ، فكلاهما مهم لحاضر ومستقبل العراق .